الْحَنينْ... حِكايةٌ غَضَّةٌ وَإِنْ طَالَ رُقودُها بَيْنَ سُطورِ الْفُؤَاد... حكايةٌ تَخْتَلِجُ لَها فَرائِصُ الرُّوح، وَكُلُّ اخْتِلاجَةٍ تصدَحُ بِأَلحانٍ مُلَوَّنَةٍ بِالوَلاء.. مرصَّعةٍ بِعِشْقِ الْحُسَيْن..
سَيِّدِي.. يا حسينْ.. يا حشاشَةَ فُؤَادي.. يا حَبيباً يُجِيبُ حَبيبَه...
قَدْ ذَابَتْ فِيكَ كُلُّ الْحَكَايا.. وَمَعانيكَ الْبَيْضَاءُ حُلَلٌ مِنْ نُور، قد ارْتَدَتها أَوصالُ الْحُروفِ، لِينسابَ بَرِيقُها كُلَّما سالَ اسْمُكَ طَيْفاً يُنْعِشُ الْمِدادَ والسُّطُورَ...
تُرْبَتُكَ سَماءٌ مُخَضَّبَةٌ بِعِطْرِ مَعِينِك، وَعلى أدِيمِها احتَرفَتِ الرُّوحُ الْإرتِماء...
قُبَّتُكَ دَوْحةٌ تَنُثُّ زَخَّاتِ الأمان.. وتطرحُ بَينَ يَدي الأحزَانِ أَطْيَبَ الثَّمرِ...
جِئْتُكَ يا سيِّدي، أَغْتَسِلُ بِنَدَاكَ الْمُضِيءِ مِنْ بَقايا مُخاتَلةِ الدُّنيا... وَأَشُدُّ تِلكَ الجِراحَ الَّتي نحتَها الزَّمانُ عَلى ذاكِرةِ الْوَجَع... فَأَحِطْني بِغلائلِ حَنانِك، وجَلِّلْني بِأبرادِ جَمالِكَ، فإِنَّني قد أَلْبَسْتُ رُوحي نِسْرينَ حُبِّكَ، وَأَجْنِحَةُ الشَّوْقِ قَدْ حَمَلَتْني مِنَ الأَرضِ إلَى جَنَّةِ الْفِرْدَوسِ، حيثُ يَحلو اللِّقاءٌ، وَيَطِيبُ الْوِصَالُ...
جِئْتُكَ نَوْرَسَةً ذَبيحَةً، مَكسُورةَ الْجَناحَيْنِ، حاسِرَةَ الْقَدَمَيْنِ... أَصْرُخُ دامِعَةَ الْعَينِ "لبيك لبيك أبا عبد الله"... وَ إِلَيكَ - مُذْ رَأَيْتُكَ - رَفَعْتُ جَناحاً مُخَضَّلاً بِتلبِياتِ الروحِ، وَتحايَا عَزَفَتْها أوْتَارُ الْفُؤَادِ حِينَ جِئْتُكَ فُطْرُساً يَلْتَمِسُ مِنْكَ غَيْثاً يُحْيِي مواتِ الخَلايا التي تسكُنُه، وَتُمِضُّ جَناحَهُ الْمُوَشَّى بِآلآمِ الْعُمْرِ وَخَيْباتِ السِّنين...
فَـ إليكَ يا سيدي ضُمَّني.. وامسحْ على رأسي بِأَنامِلَ تَجْلُو شَظَايا اليُتْمِ وَالاِغْتِراب...
بِنَفْسي أنت.. الْقانِي الذي تَشَظَّى مِنْكَ خَلَقَ لِلسَّعادَةِ أَزْهى الألوانِ.. إِذْ قَالَ لَها كُونِي فَكَانَتْ...
بِنَفْسِي أَنْت.. رغم السَّوادِ الذي لَطَّخْنا بِهِ أيْدِيَنا، حَتَّى اسْتَوْطَنَ مِنَّا الْقُلوبَ وَكادَ يَسْتَفْحِلُ في النُّخاعِ، ضَمَمْتَنا إليكَ بِكُلِّ رَحماتِ الكونِ، وَمَحَوْتَ ركامَ السَّوادِ عَنَّا بِفَيْضِ سَناكَ الْعَسَلِيِّ...
أَشْكُرُ ربِّي يا سيِّدِي، ثُمَّ أَشْكُرُكم على هَذا التَّوْفِيقِ... وَأَسْأَلُهُ ثُمَّ أَسْأَلُكُمُ الْقَبُولَ... سَيِّدِي جِئْتُكَ فَاسْقِني مِنْ رَحِيقِكَ كَأْساً رَوِيَّةً، فَلا أَفْقِدُ بَعْدَها مَلامِحَ الضَّوْءِ الَّتي رَسَمَها وِصَالُكَ عَلى قَلْبِي...
وَمَا زِلْتُ لا أَدْري... كَيْفَ تَسَلَّلَتِ الْمَسافَاتُ لِتَصْبَغَ أَنامِلي الْمَمْدودةِ نَحْوَكَ، وَذَرَّاتِ الْهَواءِ القابِعةِ بَيْنَكَ وَبَيْني...
فِرَاقُكَ غُصَّةٌ تَعْتَلِجُ فِي أَوْتارِ الرُّوحِ... وَأَلَمٌ تَلَبَّسَتْهُ حَنايا الْخافِقِ الْمُتَيَّمِ بِكَ...
زيارة الأربعين 1432 هـ