وتكسَّرت ألحانُ أنشودتي... في لحظةٍ استمرأت فيها بِشغفٍ كأسَ الشوق المتجدد... تتلاحق الصور.. وتنتفض مع مخاضات المطر ذكرياتي... خطواتٌ يختلط نشيجها بحبات الرمال... مواكب ورايات... أرواح تواقة تتلو صلاة عشقٍ، تكبيرتها تلبياتٌ وسلامٌ ترفعها أكفُّ حبلَت أصابعُها بالتهيام... وَردٌ من آي الكتاب يهطل على الحائر... لكن الآن... كل المسافات مدائنُ ضبابٍ مترامية الأطراف... تمتد في أوصال الذاكرة... ترسم طعم الحرمان على وجهي...
رائحة ذلك الضوء الفريد تشي بحكايةٍ أعجب من الكهف وطور سيناء... تطرق مسارب ألحاني الفائضة حنيناً... تُغرِقُ يُمنايَ بوجيب ذكرياتي... فإذا بها تطوي الأرض وتمزق كل المسافات، وترتفع... معانقةً سماء كربلاء...
يا كل مرافئي... ليتني أعود إليك... حبواً على خلايا الدم... زحفاً على أوتار الفؤاد... تذوب في درب هواك كل أوردتي... ويكتب الدمع في السماء وصالاً يفوق حد الأثير... ليتني آتيك.. أفتُّ دم قلبي لأروي قلبك الأبي...
أشتاق للفحة صقيعٍ تهز قطع الليل في روحي، فتهيم كواكب فكري في جنات عدن... أشتاق لرائحة أطيافك الوردية، التي تتضوع كجوريَّةٍ أزلية التألق... لاسمك العذب يداعب أجفاني... لتذكارٍ من تبرك يخلل أصابعي بالعبير... لذوبان كياني في شواطئ فراتك... لدموعٍ تسكب وجدها فينقلب موسيقى ملونة تترك بصمات قوافيها على التراب، تلثم خطواتكم المقدسة... لتلبيةٍ قلبيَّةٍ بحت صوتها الأحزان... وبللت كلماتها العبرات...
ليتني أنتزع نفسي من حصار الأسلاك الشائكة المحيطة بي بقسوة، لتحملني إليك زخات اللجين التي يشدو بها القمر...
الوطن من دونك يبدو مبهم الملامح... يوحي بالغربة والوحدة ولا يشي ببصيصٍ من دفء... وأنا قابعة مهيضة الجناحين بين زواياه المقرورة... أنبش قطع ذكرياتي... أشم بقاياها... أرتشف عصارتها التي تحتضن روحي كرحيقٍ عسليٍّ يحترف الإسكار... لأتنفسك، وأعود للحياة بروحٍ غضةٍ مزهرة...
ارحم يا نور الفؤاد عبراتي الحيرى... فالحنين يعصف بها... ويستبد في أوصالي... وانفخ الروح في قلبي... علني أنسلخ من مسافاتي... وعلى أعتابك أنثر تلبياتي، وأغتسل بنورك الكوثري...