الاثنين، 9 مايو 2011

مع السبايا إليك... مشاية


يستعر الشوق في روحي وتلتهب الذكرى في فؤادي.. فجئت ألملم شظاياها لأودعها سطوري...



(1)



قصدنا القبر مشاية والشوق
إلى زيارتك نار وبراكين
او من كل محل تقصد معانا
أرض كربلا جموع الملايين
رجال وشباب ونسوة وأطفال

كهول وعواجيز ومسنين
مواكب تنادي وا حسيناه

يا رحمة إلى كل المحبين
لقبرك تعنينا زوار.. والحنين لكربلا نار
وا إماماه.. وا إماماه.. وا حسيناه.. وا حسيناه

الجو محموم بصخب البكاء... والليل يؤجج الحنين، فيصدح الأنين بين الضلوع...

هكذا كان الجو في حافلتنا التي أقلتنا من الكاظمية إلى كربلاء، بعد زيارة أودعنا فيها ضريحي الإمامين الجوادين (ع) الولاء مع القبلات ودمع الاشتياق.. وندبنا سيد الشهداء (ع) في الصحن على وقع الصوت الشجي للملا حسين اللواتي، وتشرفنا بالصلاة جماعةً تحت ظلال الجوادين (ع)...




وها هو الليل قد غشينا فاتخذناه إلى كربلاء براقاً... وكانت أوتار ملا حسين تزيد الشوق في أرواحنا اضطراماً، وتخنق نبضات قلوبنا وجعاً...



كبرت الله وسبحته _ بخشوعي أدخل بدارك
يا حسين اقبلني زاير _ واكتبني بدفتر زوارك

ويلتهب الدمع المنهمر من عمق الألم مع التهاب صوته بالأسى...

نهل دمعة على دمعة.. ولا خلصن مدامعنا

لأن مصيبتك يا حسين.. ممزوجة بمشاعرنا
تربتنا من ترابك.. عليها دوم سجدتنا
وسبحتنا من ترابك.. نسبِّح بيها بارينا
وإذا صرنا بعطش يا يوم.. ذكرك بس يروِّينا
وإذا حلَّت مصيبة وهَمْ.. مصابك ليها بلسمنا

أهيم بعالم أحزاني.. إذا فاض القلب وجده

وأحط بكربلا رحلي.. وأنوح بساعة الشدة
لأنك ماتم أحزاني.. طيب الروح من ورده
لأن مصابك الدامي.. ما واحد بلغ حده
أشد مصابي بمصابك.. وأحفر بالقلب لحده
وأنسى مصابي وأتأمل.. مصابك عالم لوحده

نظرت صوب النافذة.. السماء حزينة ترتدي السواد... كأني بها تشعر باختلاجات روحي وتكسر عبراتي في صدري فإذا بها كالمطر...



والصوت الشجي ما زال يصدح...

هذا السلام سيدي من مهجةٍ مقطعة

على الشفاه الذابلات والعيون الدامعة
على النساء الشاردات في الطفوف صادعة
على الألى قد هجروا أوصالهم في الواقعة
على اليتامى.. على الأيامى.. والجثة المبضعة

تبادلت مع الخالة والدة الملا حسين أطراف الحديث... بثثتها لواعجي وحنيني.. حدثتها عن ذكرى حبيبي الحسين (ع) وزياراته التي طالما آنستني في رؤاي وزادت إلى حنيني حنينا... حدثتها عن تلك الرؤيا التي رأيت نفسي فيها شهيدة بين يدي مولاي الحسين (ع)...




تحدثنا سوية عن خدمة المولى أبي عبد الله (ع)... وتشعب بيننا الحديث...



المشاية يتدفقون من كل مكان... والزحام شديد... والشوق يلتهب، ومعنا امرأة مريضة... خيم علينا الهدوء، نام الكثير منا... ست ساعات قضيناها في درب الشوق حتى فتحت عينيَّ على صوت الشيخ محمد سعيد التيتون وهو يقول: على اليمين قبة الإمام أبي عبد الله الحسين (ع)...



احتقنت المشاعر بين الحنايا واستفاق الدمع مترجماً لغة الحنين...

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله.. السلام عليك يا وارث نوحٍ نبي الله.. السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله.. السلام عليك يا وارث موسى كليم الله... السلام عليك يا وارث عيسى روح الله.. السلام عليك يا وارث محمدٍ حبيب الله.. السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين ولي الله.. السلام عليك يا ابن محمدٍ المصطفى... السلام عليك يا ابن عليٍ المرتضى... السلام عليك يا ابن فاطِمةَ الزهراء...

عين الحسين (ع) رعتنا بحنانها.. ورفقت بالمرأة المريضة التي كانت معنا... فإذا بحافلتنا تقف عند باب الفندق... اللهم صل على محمد وآل محمد...

لملمت كلي، وقصدت حبيبي مع أخواتي بغبار السفر بعد أن جددنا الوضوء، والشوق يجلببني وقد مات تصبري...




أودعنا أحذيتنا إحدى المستودعات، لنمشي إليه حافيات الأقدام رغم البرد الشديد...



وانسكب حديث القلب على الأعتاب حال الوصول... ليسطر بمداد الدمع حكاية شوقٍ أخرى تختزل العشق بين الحائر والعلقمي... حكاية العناق الأول...



السلام على الصابر من دون نصيرِ
السلام على مهدٍ بلا طفلٍ صغيرِ
السلام على الروس المشالاتِ تفرت
وعلى النحر قام همه حال الخدورِ
جئت حزناً ألبي.. قرَّح الهم قلبي
السلام على المغسول من دم الجراحِ
وعلى صحبه باتوا على الطف أضاحي
وعلى شيبه المخضوب في خدٍّ تريبِ
وعلى الجسم مسلوباً تغطى بالرياحِ
ليتني بالطفوفِ.. دونكم للحتوفِ


تلك هي حكاية أجمل لقاءٍ مع حبيبٍ يجيب حبيبه...


(2)



العناق الأول.. تتلوه عناقات وعناقات...



وجمرة الحنين لا تبرد... مهما طال العناق أو تكرر...

ولنا في أوقات الصلوات... وفي كل ليلة، لقاءات نجدد فيها عهدنا بآل الله... صلوات جماعة.. مجالس حسينية.. محاضرات... لطميات... دروس.. ثم زيارة جماعية نتنفس منها عطر المودة في القربى، عسانا نصل إلى المودة الحقيقية لهم (سلام الله عليهم)... ثم حلقات عزاء في الصحن الشريف للمولى الحسين (ع) أو في حضرة أبي الفضل العباس (ع)...




وكعادته.. يطير بنا الملا حسين إلى عالم يضج بالروحانية...



ازدهي من ألقٍ أحرف روحي _ مُنْوِراتٍ من دما نحر الحسينِ
ولتشتدِّي عروقي بالفداء _ أزهري بِاسم حروفٍ للحسينِ
إنها أحرف عزٍّ وإباء _ إنها أحرف حزنٍ وأنينِ
غردي ولتشرقي باسم الهدى _ بإمامٍ مزهرٍ للخافقينِ

حرف حاءٍ حرف سينٍ حرف ياءٍ ثم نون
وبها أصبح حزني بين شوقٍ وشجون
ولها الدمع هتونٌ في فصولٍ لقرون
يبتغي الوصل بعشقٍ قاصداً قبر الحنون


فسلامٌ.. يا حسينٌ.. ليتني اليوم لك يا سيدي زائر
فسلامٌ.. يا حسينٌ.. ليتني دونك فوق تربها عافر
فسلامٌ.. يا حسينٌ.. في خطاك اليوم أبقى سيدي سائر


آهٍ يا ركباً أتى يبغي الحِمام.. في سبيل الله يأبى أن يضام
يعشق الموتَ لكي يجلو الظلام.. كي يعيشَ الناسُ أحراراً كرام
فيهمُ من كل شهمٍ أنجبِ.. عارفٍ بالله إيماناً حُبِي
قارئٍ للذكر للظلم أبي.. قد فنوا حبًّا لسبطٍ للنبي

/

كل عام وهالعزا _ لينا الشرف سنين _ دوم بحبه نسير _ وبنهجه سالكين
ننعى بمصيبته _ بصيحة أيا حسين _ نواسي لقلب البتول _ نعيش بيومه الحزين

هذا العزا يظل _ باسم الوفا يمر _ يجدد في كل سنة _ دمعاته تنهمر
يهتف بكل فخر _ وعنوانه هالأمر _ عاش الحسين شهيد _ ومات الطاغي شمر

بسوادي او مأتمي _ يظل قلبي يحتمي _ يظل واجب وثواب _ رثا الفرع الهاشمي
تظل شوقي كربلا _ وأبو اليمة عالمي _ او لهفاتي أكبرية _ وأنا جرحي قاسمي




/



يا حبيب ابعلم.. انصر ابن البتول.. واحمي هذي الخيم.. يا حبيب الرسول
بالطفوف الغريب.. ما إله من مثيل.. يبقى حاير وحيد.. جاوبه بالأصول
يا حبيب الحسين.. حسين يمسي قتيل.. يوم عاشر يصير.. خده فوق الرمول

خل أخبرك بعد.. حسين يصبح غريب.. انصره بالدما.. خل مهجتك تذوب
بيع نفسك إله.. وصير بالدم خضيب.. خضب لهامتك.. شيبتك يا حبيب
رايتك بالطفوف.. تنتظر يا نجيب.. رايتك خل ترف.. عالبشر والشعوب

يا زهير الحسين.. يبقى مفرد وحيد.. انصره بكربلا.. بالفدا والوريد
والبطل بو الفضل.. يضربوه بالعمود.. يقطعوا بالظلم.. منه ذيج الزنود
حتى ذاك الرضيع.. ينذبح بالحديد.. ينذبح بالسهم.. من لعين وعنيد

/


لغات نشيجٍ مختلفة تنبع من حيث سقطت بدور كربلاء.. منها لغةٌ تساقطت مع الدموع الساخنة عند مقام علي الأكبر (ع)..


اسم الله على طولك علي.. تقعد وحاجيني
يا نور عيني.. للوطن وديني
بعدك على الدنيا العفا يا علي يبني
أكبر يا نور العين.. فرقاك شيبني



/



وهكذا.. كان لكل عناق لون مميز..



والروح تستشعر ذلك التحنان المنسكب من الحائر، ليغمر المسافات بين الحلم والحقيقة، وبين الندى والمطر...



وأتى ركب المشاية الذين حفظتهم عين الحسين (ع)، فكتب الرب تعالى ببركته التي لطخت الهواء لهم حياة جديدة...



ولأن حسيننا شريان حياتنا والماء الذي يعطر أرواحنا بنور الله، فقد نثرنا الورد على مثواه قرآنا...



(3)



قومي يا زهراء.. من أرض المدينة
وشوفي الرضا اليوم.. زايد ونينه



أرواحنا مخضلَّة بالوجع.. تصوغ بماء العيون آيات العزاء وتنثرها بين الأضرحة المطهرة...



هنا في كربلاء... غريب...


وهناك في طوس... غريب...

ومشاعرٌ متوهجةٌ تختصر المسافات بين مشهد، وكربلاء... زرعناها ورداً على خارطة الحنين...




لأجلك الليلة اجتمعنا.. نشرح الحالة بدمعنا
يا غريب الغرباء.. يا سليل الأنبياء



ومشينا.. حاملين جمان الدمع على الأكف قاصدين غريب كربلاء، نواسيه.. وفي حضرته نعزي من أخفى القدر علينا قبرها...



وما زلنا نكمل مسيرة الحزن بين دروب الجنة لنعزي مولانا أبا صالح.. وبين خطوةٍ وأخرى تلهج قلوبنا باسم أمنا الزهراء (ع)... لا برد يمنعنا ولا مرض...



قلبج يا زهره اشحامل مصايب
كل يومه مفقود من هالأطايب
هذا بسجن راح وهذا بترايب
وهذا بلا راس ومرضضينه




وذكر الشهيد يختلط بالعبرات كل يوم.. وجذوة المصاب في قلوبنا لا تبرد...

بأبي أنت وأمي يا وريث العظماء

أيها الوارث من عيسى وموسى ما يشاء
أودع المختار في صدرك أسرار السماء
هل صحيحٌ ذبحوك القوم لم يسقوك ماء
هل صحيحٌ كنتَ ملقىً دون رأسٍ بالعراء
يا لثارات عليٍّ وجميع الأنبياء
ما سقوا قلبك إلا بالرزايا والسهام
لك من قلب محبيك التحايا والسلام




/



فمن الواجب عيناً لبس سربال الأسى
واتخاذ النوح ورداً كل صبحٍ ومسا
واشتعال القلب أحزاناً تذيب الأنفسا
وقليلٌ تلف الأرواح في رزء الحسين



(4)



وصدح أذان المغرب مخضباً ذرات الهواء بطقوس تجديد الحزن في العشرين من صفر...



وتجمعت كل اللغات لتخيط غيوم الحزن لتذرف المطر دمعا...



بدأت طقوس البكاء تتخلل غرف الفندق.. وصوت الملا حسين يتكسر بين الدموع المتناثرة كأوراق وردٍ انطفأ رواؤه بمصاب الحسين (ع)..



قم جدد الحزن في العشرين من صفرِ _ ففيه ردت رؤوس الآل للحفرِ


يا زائري بقعةٍ أطفالهم ذبحت _ فيها خذوا تربها كحلاً إلى البصرِ


والهفتا لبنات الطهر يوم رنت _ إلى مصارع قتلاهن والحفرِ


رمين بالنفس من فوق النياق على _ تلك القبور بصوتٍ هائلٍ ذعرِ



صبغنا أرواحنا بأنين جابر.. وامتطينا الزمن، لتصلي قلوبنا على الضريح صلاة الارتماء... وواصلنا نظم قصيدة البكاء مع خطوات جابر...



ثم لملمنا جراحنا المغسولة بالحزن والحنين و...



قصدنا القبر مشاية والشوق _ إلى زيارتك نار وبراكين


او من كل محل تقصد معانا _ أرض كربلا جموع الملايين


رجال وشباب ونسوة وأطفال _ كهول وعواجيز ومسنين


مواكب تنادي وا حسيناه _ يا رحمة إلى كل المحبين



لم أعبأ بحمى أو وجع.. فقط جمعت شظايا روحي التواقة للعودة إلى الحبيب مع السبايا، والدواء المسكن نائم في جيبي رغم أني لم أعبأ به إلا في طريق العودة رغم شدة الألم...



جئناك سيدي مع السبايا.. يتامى نعثر بأحزاننا ونتنفس بقايا عبراتنا التي التقطتها رياح الطف.. فضمنا عندك يا ذا القلب الكبير...



الشوق لاهب.. والدمع ساكب.. والقلب كاتب.. آيات الحبَّ
يا مولى العمرِ.. يا فوح العطرِ.. صوتٌ من ثغري.. شوقاً يلبي
مولاي الغالي.. جاءت أوصالي.. للصرح العالي.. يا نور الدربِ
تعلو دعواتي.. يا شط نجاتي.. يا وعدي الآتي.. من عند الربِّ

للقبرِ قامت روحي _ سمت باسم الله الباري
قامت في حزنٍ تبكي _ بالتسبيحِ والأذكارِ

ترجو أن تحظى وصلاً _ في الجناتِ والأزهارِ
تدري أنك رجواها عند الأمنِ والأخطارِ

خذني للقبر الزاكي _ فيه لا تخبو أوتاري
خذني للصحن الباكي _ فيه كم تشدو أشعاري
يا رحمة الرحمنِ _ قلبي من خلف الأسوارِ
هبَّ اليوم للقيا _ وانبثَّت منه أطياري


نظرةٌ تتشظى ألماً.. مخضلةً بالدمع.. مختنقة بالوجع.. إلى المخيم، ومقام إمامي الحجة المنتظر... آهٍ لأوجاع زينب.. أكل إرهاصات الفؤاد التي تنخر فينا هي نقطة من بحر أحزان زينب؟... آهٍ لصبركِ يا سيدتي...!


نمشي.. وأقدامنا بتراب الجنة تتبرك، وبعطر المشاية تزهو... (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)...



تتعالى دقات القلوب... تستنفر المحاجر فتهطل العبرات كالميزاب... الأيدي ترتفع مصافحةً قبة الحسين (ع)... والحبيب يفتح لنا بابه ليحتضننا... لست أدري أي الكلمات تفي لسكب مشاعري التي انتابتني آنذاك؟



تعلو صرخاتنا مع الملا حسين "لبيك لبيك أبا عبد الله".. تجري الدموع... يا لها من لحظات تفوق الوصف...!.. دخلنا ملبين.. وما إن عانقت أعيننا المضرجة بالدموع الضريح الذي يسكنه المعشوق، صرخت كل خلية فينا منادية "السلام عليك يا أبا عبد الله"...



وتجارى الدمع مع صوت الملا وأيدينا ترتفع مسلمةً تارةً ولاطمةً تارةً أخرى...



فداءً لمثواك من مضجعِ _ تنوَّر بالأبلج الأروعِ


بأعبق من نفحات الجنانِ _ روحاً ومن مسكها أضوعِ


ورعياً ليومك يوم الطفوف _ وسقياً لأرضك من مصرعِ


وحزناً عليك بحبس النفوس _ على نهجك النيِّر المهيعِ


وصوناً لمجدك من أن يذال _ بما أنت تأباه من مبدعِ


فيا أيها الوتر في الخالدينَ _ فذًّا إلى الآن لم يشفعِ



الروح في حضرة الحبيب تختلج.. تود الانعتاق من قيد الجسد لتعانق الضريح بكلها... لعمري شعرت كأني أرى الحبيب للمرة الأولى...





شممتٌ ثراكَ فهبَّ النسيم _ نسيم الكرامة من بلقعِ


وعفرت خدي بحيث استراحَ _ خدٌّ تفرى ولم يضرعِ


وحيث سنابك خيل الطغاةِ _ جالت عليه ولم يخشعِ


وخلتُ وقد طارت الذكريات _ بروحي إلى عالمٍ أرفعِ


وطفتُ بقبرِك طوف الخيال _ بصومعة الملهم المبدعِ


كأن يداً من وراء الضريحِ _ حمراء مبتورة الإصبعِ



نثرنا قطرات العشق في الصحن الشريف... وأكملنا مسيرة الدمع نحو قمر العشيرة... لندخل إليه رافعي الأيدي ولسان حالنا ينادي "العطش العطش"...


مع الملا كنا نصيح:





بو فاضل نادى خوه يا مولاي


يتاماك تصرخ الماي الماي



لقد كسر أبو سارة قلبي عندما هتف ونحن نرنو بأعيننا العبرى نحو الضريح:



يا جواد حسين وينه بالسيوف مقطعينه...!



ولدى القمر جددنا عهدنا بالحسين.. بخط الحسين.. عسى ربنا أن يهدينا ويجعلنا من أنصار الحسين وابنه المهدي الموعود...



لكربلا نوصل ونجدد الذكرى _ نصرخ ننادي هذا حسين واقعنا


بصرخة الدمعة واللهفة والحسرة _ للأبد يا حسين انته انته والينا



وختمنا مسيرتنا بالدعاء لإمام زماننا ولأحبتنا وللمؤمنين ولنا جميعاً...



/



قمت بضبط المنبه كي أستيقظ لأداء صلاة الليل.. وما إن رن المنبه حتى فتحت عينيَّ وإذا بآلام المرض تعصف بي بشدة فلم أستطع النهوض.. بقيت في الفراش حتى وقت صلاة الفجر.. بقيت صلاة الليل في الأربعين حسرة بقلبي لكن الله الرحمن الرحيم أعلم بنيتي والحمد لله على كل حال...!



/



جاء الصباح حزيناً مثقلاً بالذكرى... آهاتنا تكتب في السماء "حسينٌ يا حسين.. حبيبي يا حسين... حبيبٌ يجيب حبيبه"...



بدأنا طقوس البكاء صباحاً.. وبعد صلاتي الظهرين أقبل الشباب صارخين "حسين.. حسين.. حسين........"... يعزفون الحزن على أوتار قلوبنا الموجوعة حتى النخاع، فينسكب اللحن دمعا... وأكمل الملا أبو سارة تراتيل البكاء ليجعلنا نخطو مع جابر حتى نصل للقبر الغالي فتقفز قلوبنا من بين أضلعنا وتعانق القبر وتنادي مع جابر "حبيبٌ لا يجيب حبيبه"... ومع السبايا جئنا نشيع الرأس المطهر فإذا بدمائه تحكي لنا قصة المصرع لتعلو صرخاتنا من أعماقنا المشحونة حرارةً لحسيننا لن تبرد أبداً...



أيها المهر توقف لا تحم حول الخيام


واترك الإعوال كي لا يسمع الآل الكرام


كيف تستقبلهم تعثر في فضل اللجام


وهم ينتظرون الآن إقبال الحسين



عادت لنا ذكرى المصرع المهول وصرخاتٌ ألهبت الكيان.. هناك على أرض الوطن، تلعلع صيحة أحرفها "حسين" مع كل لطمة.. لكن هنا في الجنة، كل شيءٍ يصرخ "حسين"...!



صاح السجاد اكشفي الغطاء


عمة يا زينب وانصبي العزاء


هذا المظلوم مرمي بالعراء


نايم لوحده على حر الثرى


وهذا راسه عالرماح...!



وكانت بصمتنا الأخيرة في إحياء الأربعين في حضرة مولاي نزوره ونزور الآل والصحب ونبكيهم.. وواصلنا تجديد العهد عند أبي الفضل العباس (ع)...



(5)







المرض يشتد.. وأذان الفجر صدح ممتزجاً بلحن المطر...



بعد صلاة الفجر والأدعية، ضمخ المطر ثيابنا لنصعد الحافلة المتوجهة إلى سامراء، بعد أن ودعت الخالة أم الملا حسين التي شعرت بحنان والدتي يمتد إلي عبرها، إذ كانت مع المجموعة المتوجهة إلى النجف الأشرف.. تعاهدنا على لقاءٍ آخر وأرجو أن يُكتب لنا ذلك قريباً...



وما إن نامت الفتيات بجواري حتى أفردت دفتري الصغير وامتشقت يراعي وأكملت رحلة الانسكاب التي بدأتها في كربلاء...



ست ساعات انطوت بمعانقة أعيننا المشتاقة للقبتين... ترجلنا وقطعنا مسافةً لا بأس بها حتى وصلنا للصحن المطهر وصلينا جماعة بإمامة شيخنا محمد سعيد التيتون... ثم توجهنا للأضرحة الطاهرة وقرأنا الزيارة وصلينا ثم تفرق الجمع لممارسة صلاة العناق...



وكانت تسليمة صلاة العناق في السرداب الشريف.. إذ كانت "متى ترانا ونراك" صورةً تترجم الدمع المتكسر في محاجرنا...



(6)



من الفرات.. إلى الحائر، كان مسيري ذاك الصباح، وعناقٌ آخر جمعني بحبيبي الحسين (ع) وأنصاره وأهل بيته...



حملنا قلوبنا التي يفيض منها الحنين حتى سال على أكفنا لؤلؤاً منثورا.. وتوجهنا شطر النجف الأشرف وحب الأمير (ع) تاجٌ تقلدته هاماتنا من المهد إلى اللحد...



وصلنا وأرواحنا تسبقنا مرفرفة إلى ضريح الأمير (ع) توسعه لثماً وعناقاً...





جيتك يا حامي الجار وصبري ما إجا وياي


ما أريد أخلي زيارتك وأرجع لدنياي


افتح لي يا باب الرجا.. علي يا علي


ما عندي غيرك ملتجى.. علي يا علي



كان ذلك اليوم هو يوم الخميس.. وقد انتهت صلاحية عدساتي اللاصقة، فكان خروجي من جنة كربلاء إلى جنة الغري بالنظارات الطبية...



فتح الإمام لنا بابه عند الظهر فأدينا الصلاة.. ثم مضينا لزيارة الإمام (ع) وكلنا شوق يكهربنا من أم الرأس إلى أخمص القدمين... دخلت الرواق المعطر بحضور الملائكة.. ومشيت حتى بلغت باب الضريح، فسالت عبراتي مع كلمات إذن الدخول.. عندها خطوت صوب الضريح حتى وصلت وبدأت صلاة عناقٍ أخرى ليتها طالت...



ثم خرجت لأقرأ الزيارة بهدوء بعيداً عن الزحام، فرأيت لوحة مكتوب عليها الزيارة، لكنني لم أستطع القراءة لأنني خلعت النظارة ووضعتها في جيب سترتي الصوفية قبل الصلاة... فمددت يدي إلى جيب السترة لكنني صعقت إذ لم أجد النظارة... انقلب كياني.. لكن خطر لي خاطر هو أن أبحث عند أميري (ع).. فعدت أدراجي متوسلة بالأمير (ع).. واستأذنت مرة أخرى ودخلت أرمق الضريح بعينين متوسلتين، ثم حانت مني التفاتة نحو اليسار، فرأيت إحدى خادمات الحرم المطهر تمسك بنظارتي وهي سليمة... آه شكراً لربي ثم لأميري الذي ما خيبني قط!



خرجت مرة أخرى وقرأت الزيارة واسترحت قليلاً في الصحن الطاهر، ثم انضممت إلى المجموعة من أجل الزيارة الجماعية... وقد غمرنا الأمير (ع) بكرمه فلم نخرج من حضرته إلا وبيدنا شيء من ضيافته...



ولأن عودتنا إلى كربلاء الحبيبة تزامنت مع ليلة الجمعة، فقد ازدادت طقوس دعاء كميل جمالاً عند مولاي الحسين (ع)... وكانت تلك الزيارة هي زيارة الوداع.. بدأناها بالحائر وختمناها بالعلقمي... آاااااه ما أقسى لحظات الوداع...!



حبيبي يا أبا عبد الله ضمنا عندك...



(7)



أي وطنٍ هذا الذي أبعدني عنكم يا سادتي الأحبة؟





كلما أرهصني الحنين.. نطقت روحي دمعاً، فكانت "أشواق خلف قطرات المطر" بعضاً من تلك الدموع...



/



أزورك بروحي وعقلي يا إمامي
شهيدٌ أنت حيٌّ إذن فاسمع كلامي
حسينٌ بك قلبي وقلب الدين دامي
تقبَّل من بعيدٍ صلاتي وسلامي

على الظامي الذي لا لم يذق شربة ماءِ
على الشيب عفيراً وخضيباً بالدماءِ



/



رباه.. ارزقنا عودة للأحبة...!

هناك تعليق واحد:

  1. من افضل واجمل المواضيع التي يمكنكم التعرف والحصول عليها بشكل كامل

    https://www.alzaemat.com/treadmill/

    ردحذف