الأحد، 5 يونيو 2011

الكهف.. مرآة كربلائية


"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آياتِنَا عَجَبَا"...
وَآياتُكَ يَا حُسَيْنُ أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ...
مِيقَاتُ أَهْلُ الْكَهْفِ كَهْفٌ يَخْتَرِقُ حِجَابَ الزَّمَنِ..
وَمِيقَاتُ آلُ اللهِ حَقِيقَةٌ أَليمَةٌ تَلْهَجُ بِهَا سُورَةُ مَرْيَمَ... تَخْتَبِئُ في (كهيعص)...
كَافُها كَرْبَلاءُ... الجَنَّةُ الَّتِي تَتَجَلَّى فِيهَا الْهَاءُ صُوَراً مُوجِعَةً حَدَّ انْطِبَاقِ السَّماءِ عَلَى الْأَرْضِ... وَهَلَاكُ الْعِتْرَةِ أَعْظَمُ مُصِيبَةٍ حَفَرَتْهَا يَاءُ دِقيانوسَ الظَّالِمِ في عُمْقِ لُبَّةِ الدَّهْرِ...
بِنَفْسِي مَنْ كَانَتِ الْعَيْنُ أَشْوَاكاً أَجْهَدَتْ قَلْبَهُ عَطَشاً... بِنَفْسي مَنْ صَاغَ مِنَ الصَّادِ صَبْراً طَغَى عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ وَهَدِيرِهَا... وَعَلَى لَوْعَةِ الْآلامِ وَمَرَارَاتِهَا...
فِيكَ حَارَ يا حُسَيْنُ الْكَيَانُ... وَتَمَاهَتْ آيَاتِكَ في شِرْبِ الْجَنَانِ... وَعَثُرَتِ الْحُرُوفُ بِآهَاتِهَا فَوْقَ سُطُورِ حِكَايَتِكَ الَّتِي ارْتَجَلَتْهَا عِنَايَةُ اللهِ وَحِكْمَتُهُ... تِلْكَ الْحِكَايَةُ الدَّامِيَةُ الَّتِي جَسَّدَتِ انْعِتَاقَ كَهْفِ أَنْجلوسَ مِنْ إِهَابِ الزَّمَنِ لِيَصُوغَ عَلَى الْمَدَى كَرْبَلَاءَ... كَرْبَلَاءَ بِعِبَرِهَا وَعَبَرَاتِهَا... بِقِيَمِهَا وَجِرَاحَاتِهَا...
تَرَكْتَ الْخَلْقَ طُرًّا وَرَسَمْتَ بِالنَّجِيعِ دَرْبَ حُبِّكَ لله... خَطْوُكَ اعْتِلَاءُ الرُّوحِ فَوْقَ جَنَاحِ الْكَلِمِ، وَالتَّحْلِيقُ في رُبُوعِ الْمَلَكُوتِ... عَيْنَاكَ تُصَافِحَانِ الْمَلَائِكَ وَوَجْهُكَ مِرْآةٌ لِلسَّمَاءِ... عَلَيْهِ يَنْحَنِي الزَّهْرُ وَيَغْفُو الْمَاءُ... بِخُشُوعٍ يَتَرَقْرَقُ مِنْ ثَغْرِكَ عِشْقٌ سَمَاوِيٌّ...
تَرَكْتُ الْخَلْقَ طُرًّا فِي هَوَاكَ
وَأَيْتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَيْ أَرَاكَ
فَلَوْ قَطَّعْتَنِي فِي الْحُبِّ إِرْباً
لَمَا مَالَ الْفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَ
وَقَفْتَ فِي وَجْهِ الزَّمَانِ مُدَافِعاً عَنْ حَقِّ الضِّيَاءِ فِي سِقَايَةِ الْقُلُوبِ، وَحَقِّ الْهَوَاءِ فِي تَنَفُّسِ عِطْرِ الضِّيَاءِ... فَأَطْبَقَ عَلَيْكَ دِقْيَانوسُ كُلَّ مَنَافِذِ الهَوَاءِ... فَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ.. وَإِذَا الْأَرْضُ مُلِئَتْ مِنْ أَشْوَاكِ الظَّلَامِ... وَأَطْرَافُ الْقُلُوبِ يَبَسَتْ تَحْتَ سَطْوَةِ الدُّنْيا... لا شَيْءَ يُحْيِي أَنْفَاسَ الْكَوْنِ الْمُخْتَنِقَةَ، إِلَّا قَطَرَاتٍ مِنْ رُوحِكَ تَنْتَشِي بِضَوْئِهَا رِئَةُ الْحَيَاةِ...
وَانْسَابَ النُّورُ لَحْناً وَلَائِيًّا مِنْ وُجُوهِ أَقْمَارِكَ شَلَّالاً عَلَى صَفَحَاتِ الدَّهْرِ "رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَّقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطَا"... فِي طَرِيقِ اللهِ تَلَاقَتْ خَطَوَاتِهِمْ... وَإِلَى اللهِ كَانَ مَسِيرُهُمْ... إِلَى الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ الْمُصْطَفَى...
أَطْلَقْتَ صَرْخَةَ الْحَقِّ، فَاهْتَزَّتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا... فَهَلْ أَنَّ صَرْخَةَ مَاكْسِي مِليانوسَ فِي وَجْهِ الإِمْبراطورِ لَبِسَتْ كَلِمَاتِكَ الْمُقَدَّسَةَ... أَمْ أَنَّ صَرْخَتَكَ فِي وَجْهِ يَزِيدٍ جَسَّدَتْ تَمَرُّدَ مَاكسي مِليانوسَ عَلَى الشِّرْكِ وَالطُّغْيَانِ؟
أَطْلَقْتَ صَرْخَةَ الْحَقِّ.. وَأَوَيْتَ إِلَى كَرْبَلَاءَ.. لِيَنْشُرَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقَا...
أَوَيْتُمْ إِلَى كَرْبَلَاءَ... بِأَنْفُسٍ تَفِيضُ اطْمِئْنَاناً... وَقُلُوبٍ تَكَادُ تَطِيرُ مِنْ فَرْطِ شَوْقِهَا لِبَارِئِهَا... تَغْفُو بِأَمَانٍ عَلَى غَلَائِلِ رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ... وَكَأَجْنِحَةِ ضَوْءٍ تَأْتَلِقُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، تَجْأَرُ أَرْوَاحُكُمُ الطَّاهِرَةُ بِالدُّعَاءِ... تَسْتَمْطِرُ مِنَ اللهِ الرَّجَاءَ...
"رَبَّنا آتِنا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدَا"... طُقُوسُ الْمُنَاجَاةِ تَرْتَدِي لَوْنَ الْمَاءِ... وَنَغَمُ الدُّعَاءِ يَخْتَلِطُ بِأَنْفَاسِ اللَّيْلِ الْهَادِئَةِ... الْأَرْضُ تَشْرَبُ ضَوْءَ النُّجُومِ، وَأَرْوَاحُكُمْ تَلْثُمُ وَجْهَ السَّمَاءِ... حَتَّى إِذَا مَزَّقَتْ خُيُوطُ يَوْمِ الْفَاجِعَةِ أَكْفَانَ الْعَتمةِ، أُهرِقَتْ أَنْهارُ الْمَوَدَّةِ فِي الْقُرْبَى لِتُصَافِحَ تُرَابَ كَرْبَلَاءَ...
وَإِذَا الشُّهَداءُ عَلَى الرَّمْضَاءِ... تَحْسَبُهُمُ الْعَيْنُ رُقُوداً وَهُمْ أَيْقَاظٌ... يَرْوُونَ بِدِمَائِهِمُ الْأَذَانَ، وَبِهِمْ تَسْتَمِدُّ الصَّلَاةُ حَيَاتَهَا وَعُنْفُوَانَهَا...
وَإِذَا رَأْسُكَ علَى الرُّمْحِ مَا زَالَتْ بِهِ تَجْرِي الْحَيَاةُ... مَا زَالَ أُحْجِيَةً قَابِعَةً فِي قَلْبِ الدَّهْرِ... مَا زَالَ رُوَاؤُهُ غَضًّا، يَتَوَضَّأُ الْوَرْدُ بِإِشْرَاقَتِهِ، وَيَتَنَفَّسُ السُّجُودُ تِلْكَ السَّكِينَةَ الْمُتَضَوِّعَةَ مِنْ جَبِينِهِ... وَالدَّوِيُّ مِنْ ثَغْرِهِ يَصْدَحُ عِطْراً تَشْرَبُهُ الْأَرْضُ لِتَحْيَا بَعْدَمَا كَانَتْ مَوَاتًا...
"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبَا"...
وَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ يُصَافِحَ مُحَيَّاكَ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ، فَاعْتَلَى رَأْسُكَ ذَلِكَ الرُّمْحَ مُنْتَشِياً بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ... وَصَلَاةُ الرَّبِّ عَلَيْكَ تَنْضَحُ مِنْ آيِ الذِّكْرِ... وَالْمَلَائِكُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لَكَ إِكْبَاراً لِتَضْحِيَاتِكَ وَشَهَادَتِكَ...
وَحِينَ سَدَّ دِقيانوسُ مَدْخَلَ الْكَهْفِ، أَبَى نُورُ الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنْ يَخْتَرِقَ الْحُجُبَ، وَيَمْسَحَ عَلَى الْقُلُوبَ فَيُنْعِشُهَا بِلَذِيذِ الْيَقِينِ... وَلَطَالَمَا حَاوَلَ مِنْ بَعْدِهِ أَلْفُ دِقيانوسَ طَمْسَ نُورَ اللهِ الْمُتَجَلِّي فِي قَدَاسَتِكَ... "وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورُهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"...
فَأَيُّ حُبٍّ للهِ تَعَالَى هَذَا الَّذِي يَسْكُنُكَ؟... وَأَيُّ آيَاتٍ هَذِهِ الَّتِي أَطْلَقَتْهَا دِمَاؤُكَ فَهَزَّتْ عَالَمَ الْإِمْكَانِ؟...
وَآيَاتُكَ يَا حُسَيْنٌ أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ... مَحَوْتَ الْمَسَافَاتِ، بَيْنَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَبَيْنَ الْكَهْفِ وَكَرْبَلَاءَ...
لَيْسَ الْعَجِيبُ رُقُودَ أَهْلِ الْكَهْفِ بِسَلَامٍ مُتَدَثِّرِينَ بِعِنَايَةِ اللهِ، إِنَّمَا الْعَجِيبُ أَنْ يَقْتُلُكَ دِقيانوسُ عَطْشَاناً وَأَنْتَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ وَرَيْحَانَتُهُ... الْعَجِيبُ أَنْ تُغَسَّلَ بِالنَّجِيعِ وَتُكَفَّنَ بِالتُّرَابِ.. وَتُشَيِّعَكَ الْخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا...
وَطَالَ الرُّقُودُ... بِانْتِظَارِ جَلْوَةِ الشَّمْسِ مِنْ خَلْفِ أَمْوَاجِ السُّحُبِ... حِينَهَا سَتُشْرِقُ الْأًرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا... كَشُرُوقِ الضَّوْءِ مِنْ كَهْفِ أَنْجلوسَ بَعْدَ ثَلاثُمائَةِ عَامٍ، وَانْسِيَابِهِ كَالْمَاءِ القَراحِ في فَوْضَى الدُّنْيَا... وَسَيَظْهَرُ مَاكسي مليانوسُ وَأَصْحَابُهُ شُعَاعاً يُعَانِقُ نُورَ اللهِ الْمُتَجَلِّي فِي إِمَامِ الزَّمَانِ... وَعَلَى رَايَتِهِمْ تُجَلْجِلُ تَلْبِيَةُ النِّدَاءِ... يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ...
وَإِذَا بِأَنْصَارِكَ يَنْفُضُونَ عَنْ رَقْدَتِهِمُ التُّرَابَ، وَأَرْوَاحُهُمْ تُصَافِحُ سَنَاكَ الْمُتَجَلِّي فِي الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ...
فَسُبْحَانَ مَنْ خَطَّ عَلَى لَوْحِ الزَّمَنِ حِكَايَتَكَ مِنَ الْكَهْفِ... إِلَى كَرْبَلَاءَ... إِلَى الْحَشْرِ.. حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ قَائِماً، يُفَرِّجُ عَنَّا الْهَمَّ وَالْكُرُبَاتِ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق