الاثنين، 13 يونيو 2011

ألمٌ يخط الفصل الأخير




هناك.. على امتداد الحكاية... يلتمع بريق الدمع على وجنات الورد، ليكتب أحداث الفصل الأخير بحبرٍ ملوثٍ برائحة الدخان الممتد بين مجرات الطين والماء، وذلك قبل أن يحفر مداد الشمس على قرطاس الزمان أحرف كلمة "النهاية"، العابقة بالأمل الأخضر، المضمخة بالسعادة الوردية.. الناطقة بألف معنى ومعنى مع كل قطرة حبر...


صدى الأسود بأوجاعه يتكسر في غيابة الودق الأحمر... والأحمر عصافير حطت على ضفاف السماء، تنشد دفء الربيع في ترقبها للشروق... صوتها يحيي الأرض وهي مواتٌ مثخنةٌ بأمواج الضباب العاتية... هي امتداد تلك الواعية المقدسة العابرة طيات ذاكرة الروح... يتخلل رحيقها المسافات بين كربلاء – كعبة العاشقين – وبين القلوب الملبية الطائفة حولها طواف الهيام... ليمتد مفترشاً الكرة الأرضية إلى أن تشرق الشمس، فتشرب كل قارة.. وكل بلد.. وكل محيط، من نورها كأساً دهاقاً لا لغوٌ فيها ولا تأثيم...


وفي زاويةٍ أخرى من الحكاية، تئن زهراتٌ صغيراتٌ على أغصان الدهر.. خائرة القوى.. ذابلة المحيا.. لم تذق قطرة مطر.. تكبر بين أشواك الأسى والانتظار.. فمنها ما تذوب حياتها على غصنها، حتى تتلاشى وتصبح نقطةً صماء على خارطة الإمكان... ومنها ما تتشبث بأذيال الرجاء حتى الرمق الأخير، وتستقي من ماء الشمس رشفاتٍ صغيرةٍ كي تحيا وتزهر بوجهٍ مختلف...


وهناك.. بين مساحاتٍ تتأرجح بين الأرض والسماء، تتربع وجوهٌ هلامية، مبهمة الملامح، متغيرة القسمات بين متاهات النور والظلام... أجزاؤها خيطت إلى بعضها بخيوط العنكبوت... قد نضب منها عذب الرواء.. تتطلع من بين الغيوم إلى جدائل ذهبيةٍ من التحنان تنساب من قلب شمسٍ متوهجةٍ بكل ما تسعه الأكوان من رحمة...


حرفاً حرفاً.. ترمي العبرات حكاياها بين السطور.. وكل سطرٍ له من الحزن لونٌ مختلف... وإذا بالفصل الأخير يملأ من الدهر مجلدات ومجلدات...


وبين السطور الأخيرة... أرواحٌ تحاول الانتفاض من السديم الأسود المحيط بها... لعلها تستطيع بعدئذٍ أن ترتمس في طهر الفرات، وترتدي إحراماً أبيضاً... ثم تمسك بأطرافٍ ذهبيةٍ قد نزلت إلى الأرض بعذوبةٍ ودفء.. من شمسٍ قد غطتها السحب.. نورها يجرح الألم لتسقط بعد ذلك أشلاؤه من كتاب الحكاية إلى التراب...

الاثنين، 6 يونيو 2011

رشفة سلام




باسمك تطرب أجنحة الروح، ملقيةً بين يديك تحاياها قافيةً مرصعةً باللجين، وآيات ولاء... أيا شمسٌ طالما تلمس الدهر دفء مودتها وتحنانها، رغم تلكم السحب التي تغطي شعاع النور الفائغ من قلبك الذهبي، وتختزل في جوفها رماد الغياب...

سلامٌ.. على آل ياسين... سلامٌ عليك أيها النور الساطع، والتبر الألِق...

دعوتَ إلى الله، فتجلت آياتك تجلي البدر في ليلة تمامه... وتفتحت، كانفراج أسارير الورد حين يشرق على غلائله الربيع... فتشظى نداك ليجلو القحط الساكن أرواحنا، والمتربع بين خلايانا.. وأصابعنا...

سيدي.. أنت بابٌ إلى الله منفرج الثنايا.. تقودنا إلى منبع الضوء، وتهز إلينا بجذع الرحمة يساقط علينا من فيضك لؤلؤاً منثورا... وعلى كل زاويةٍ من زوايا الدهر، تنثر من عطر روحك قبساً تستضيء به حمائم السلام...

سيدي... يحن إليك الليل الداجي... يناجيك القمر بلغة اللجين، وتلثم النجوم آثار خطواتك المباركة نحو الله...

وبوح الفجر تربٌ يركع على أطراف تبرك الزاهي.. إذ تبتكر شمسك انبلاج النهار.. ويتساقط الضوء على أديم الأرض مطراً، تجدل منه الفراشات خيوط ريحانٍ تتنفس منها قلائد العبير، وتصوغ منه العصافير خارطةً للملكوت يرفرف شطره بهديها جناح الحنين...

ما زلتَ – يا ربيع القلب – شمعةً تنث آياتها رقراقةً كقيثارةٍ من ماء تنسج لحناً عذباً تهيم بوقعه أوتار الفؤاد.. صلاتك جنةٌ خضراء يزهر حب الله في سمائها، ويشع الشكر والتسليم من حناياها كزخات الرحيق المختوم بالمسك والياسمين...

قنوتك عزفٌ أبيضٌ فاح عطره فوق كنه تلك الحروف العسجدية...

ركوعك ارتعاش اللغة في حضرة الملكوت الأرفع...

سجودك توحد الخلايا مع جوهر النور، واغتسال الروح بقطرات العشق الوردية...

ثناؤك واستغفارك تسامقٌ فوق الكلمات، يفوق البيان والاستعارات في التأثير...

حين تقرأ ترهف لعذب صوتك الثريا، ولتبيانِكَ عطرٌ عسلي المذاق، يهتز على وقعه الزهر... وفي تكبيراتك تتجلى العبودية المطلقة لرب العالمين...

يستاف مخاض الصبح من ضيائك عبيراً محمديًّا... وارتعاشات المساء تستقي من جمالك مطراً لؤلؤيًّا رياناً... وقلب الدهر صار وطناً للشوق والآهات والدموع... وكل الزوايا تشرئب لطلعتك الغراء.. تترقب هطول شمسك المشرقة من وراء السحب...

فسلامٌ عليك.. في الليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى...

سيدي... متى تشرق الأرض بنور ربها بظهورك؟... متى ترانا سيدي ونراك؟!...



/



طيف من شعبان الماضي

أحلم.. بأن أطير



حتى متى وعصافيري تنأى عن عالمي، وتستفرد بأغاريدها العذبة من دوني؟.. حتى متى أنظر إليها بحسرة وهي تسرح وتمرح، وأنا على أديم الأرض مكسورة الجناح، ذائبة الفؤاد، أخنق دموعي كي لا تلتهمها العيون؟... حتى متى يظل طيراني معها مجرد أمنية تؤرق هدوء حياتي؟..
أمنية كالزبد، في نعومته وبياضه... في رقته وجماله... حتى في ذوبانه في ذاكرة البحر، حتى يختفي ويتلاشى... تلك هي أمنيتي.. تذوب في ذاكرتي، حتى تختفي... ويبقى أثرها وخزاً مؤلماً في لبّة الفؤاد...

طيفٌ لم ير النور.. ولم يتجسد واقعاً أتلمسه بأنامل ربيعي الشفافة، وأستأنس به استئناس الورد لقطرات الندى... أحلم بأن أطير.. أطير... أطير... أمسك أجنحة عصافيري بأجنحتي... وأطير... ولست أدري متى يرى حلمي نور الواقع... وأطير...

صرت أتشبث بأطراف البراعم الصغيرة المتدلية على أجنحتي المخضلة بألم دفين، وخوفٍ ورجاء.. أتنسم بنهمٍ وسرور عبيرها الخفيف... لأن أجنحتي دامية... مكلومة.. لا تطال الأزاهير الغضة الفواحة السارحة بين الغيوم البيضاء...

ليت يوم الفرج يشرق، فتنبت لي أجنحةٌ من وردٍ ومطر، فأحلق مع عصافيري.. وتسبح أجنحتي معها في سماءٍ ملونةٍ بالأريج.. مرصعةٍ بحبات أملٍ ذهبية... وتصب السعادة ودقها على جراحي فتدملها، وعلى كسري فتجبره... وأقطف تلك الأزهار المتربعة وسط الغيوم البعيدة، وأزرعها أملاً يزدهر ويتألق في جنتي، وأزين بها أجنحتي.. وأستاف عطرها الوردي العبق الناضح برقةٍ ودفءٍ، وهو يعانق الأفق والنجوم...

ليت شمسي تبزغ، فأفرد أجنحتي بثقة الجبال بين أغاريد عصافيري.. وأنثر أنشودتي على الغيوم قطراتٍ من الياسمين... وأصوغ من مدادي وعبراتي سجدات شكرٍ أطلقها في محراب صلاتي...
فيا طيور السماء.. هلمي إلي، وأمني على دعائي...!


/


من فتات الماضي القريب

الأحد، 5 يونيو 2011

الكهف.. مرآة كربلائية


"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آياتِنَا عَجَبَا"...
وَآياتُكَ يَا حُسَيْنُ أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ...
مِيقَاتُ أَهْلُ الْكَهْفِ كَهْفٌ يَخْتَرِقُ حِجَابَ الزَّمَنِ..
وَمِيقَاتُ آلُ اللهِ حَقِيقَةٌ أَليمَةٌ تَلْهَجُ بِهَا سُورَةُ مَرْيَمَ... تَخْتَبِئُ في (كهيعص)...
كَافُها كَرْبَلاءُ... الجَنَّةُ الَّتِي تَتَجَلَّى فِيهَا الْهَاءُ صُوَراً مُوجِعَةً حَدَّ انْطِبَاقِ السَّماءِ عَلَى الْأَرْضِ... وَهَلَاكُ الْعِتْرَةِ أَعْظَمُ مُصِيبَةٍ حَفَرَتْهَا يَاءُ دِقيانوسَ الظَّالِمِ في عُمْقِ لُبَّةِ الدَّهْرِ...
بِنَفْسِي مَنْ كَانَتِ الْعَيْنُ أَشْوَاكاً أَجْهَدَتْ قَلْبَهُ عَطَشاً... بِنَفْسي مَنْ صَاغَ مِنَ الصَّادِ صَبْراً طَغَى عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ وَهَدِيرِهَا... وَعَلَى لَوْعَةِ الْآلامِ وَمَرَارَاتِهَا...
فِيكَ حَارَ يا حُسَيْنُ الْكَيَانُ... وَتَمَاهَتْ آيَاتِكَ في شِرْبِ الْجَنَانِ... وَعَثُرَتِ الْحُرُوفُ بِآهَاتِهَا فَوْقَ سُطُورِ حِكَايَتِكَ الَّتِي ارْتَجَلَتْهَا عِنَايَةُ اللهِ وَحِكْمَتُهُ... تِلْكَ الْحِكَايَةُ الدَّامِيَةُ الَّتِي جَسَّدَتِ انْعِتَاقَ كَهْفِ أَنْجلوسَ مِنْ إِهَابِ الزَّمَنِ لِيَصُوغَ عَلَى الْمَدَى كَرْبَلَاءَ... كَرْبَلَاءَ بِعِبَرِهَا وَعَبَرَاتِهَا... بِقِيَمِهَا وَجِرَاحَاتِهَا...
تَرَكْتَ الْخَلْقَ طُرًّا وَرَسَمْتَ بِالنَّجِيعِ دَرْبَ حُبِّكَ لله... خَطْوُكَ اعْتِلَاءُ الرُّوحِ فَوْقَ جَنَاحِ الْكَلِمِ، وَالتَّحْلِيقُ في رُبُوعِ الْمَلَكُوتِ... عَيْنَاكَ تُصَافِحَانِ الْمَلَائِكَ وَوَجْهُكَ مِرْآةٌ لِلسَّمَاءِ... عَلَيْهِ يَنْحَنِي الزَّهْرُ وَيَغْفُو الْمَاءُ... بِخُشُوعٍ يَتَرَقْرَقُ مِنْ ثَغْرِكَ عِشْقٌ سَمَاوِيٌّ...
تَرَكْتُ الْخَلْقَ طُرًّا فِي هَوَاكَ
وَأَيْتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَيْ أَرَاكَ
فَلَوْ قَطَّعْتَنِي فِي الْحُبِّ إِرْباً
لَمَا مَالَ الْفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَ
وَقَفْتَ فِي وَجْهِ الزَّمَانِ مُدَافِعاً عَنْ حَقِّ الضِّيَاءِ فِي سِقَايَةِ الْقُلُوبِ، وَحَقِّ الْهَوَاءِ فِي تَنَفُّسِ عِطْرِ الضِّيَاءِ... فَأَطْبَقَ عَلَيْكَ دِقْيَانوسُ كُلَّ مَنَافِذِ الهَوَاءِ... فَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ.. وَإِذَا الْأَرْضُ مُلِئَتْ مِنْ أَشْوَاكِ الظَّلَامِ... وَأَطْرَافُ الْقُلُوبِ يَبَسَتْ تَحْتَ سَطْوَةِ الدُّنْيا... لا شَيْءَ يُحْيِي أَنْفَاسَ الْكَوْنِ الْمُخْتَنِقَةَ، إِلَّا قَطَرَاتٍ مِنْ رُوحِكَ تَنْتَشِي بِضَوْئِهَا رِئَةُ الْحَيَاةِ...
وَانْسَابَ النُّورُ لَحْناً وَلَائِيًّا مِنْ وُجُوهِ أَقْمَارِكَ شَلَّالاً عَلَى صَفَحَاتِ الدَّهْرِ "رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَّقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطَا"... فِي طَرِيقِ اللهِ تَلَاقَتْ خَطَوَاتِهِمْ... وَإِلَى اللهِ كَانَ مَسِيرُهُمْ... إِلَى الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ الْمُصْطَفَى...
أَطْلَقْتَ صَرْخَةَ الْحَقِّ، فَاهْتَزَّتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا... فَهَلْ أَنَّ صَرْخَةَ مَاكْسِي مِليانوسَ فِي وَجْهِ الإِمْبراطورِ لَبِسَتْ كَلِمَاتِكَ الْمُقَدَّسَةَ... أَمْ أَنَّ صَرْخَتَكَ فِي وَجْهِ يَزِيدٍ جَسَّدَتْ تَمَرُّدَ مَاكسي مِليانوسَ عَلَى الشِّرْكِ وَالطُّغْيَانِ؟
أَطْلَقْتَ صَرْخَةَ الْحَقِّ.. وَأَوَيْتَ إِلَى كَرْبَلَاءَ.. لِيَنْشُرَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقَا...
أَوَيْتُمْ إِلَى كَرْبَلَاءَ... بِأَنْفُسٍ تَفِيضُ اطْمِئْنَاناً... وَقُلُوبٍ تَكَادُ تَطِيرُ مِنْ فَرْطِ شَوْقِهَا لِبَارِئِهَا... تَغْفُو بِأَمَانٍ عَلَى غَلَائِلِ رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ... وَكَأَجْنِحَةِ ضَوْءٍ تَأْتَلِقُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، تَجْأَرُ أَرْوَاحُكُمُ الطَّاهِرَةُ بِالدُّعَاءِ... تَسْتَمْطِرُ مِنَ اللهِ الرَّجَاءَ...
"رَبَّنا آتِنا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدَا"... طُقُوسُ الْمُنَاجَاةِ تَرْتَدِي لَوْنَ الْمَاءِ... وَنَغَمُ الدُّعَاءِ يَخْتَلِطُ بِأَنْفَاسِ اللَّيْلِ الْهَادِئَةِ... الْأَرْضُ تَشْرَبُ ضَوْءَ النُّجُومِ، وَأَرْوَاحُكُمْ تَلْثُمُ وَجْهَ السَّمَاءِ... حَتَّى إِذَا مَزَّقَتْ خُيُوطُ يَوْمِ الْفَاجِعَةِ أَكْفَانَ الْعَتمةِ، أُهرِقَتْ أَنْهارُ الْمَوَدَّةِ فِي الْقُرْبَى لِتُصَافِحَ تُرَابَ كَرْبَلَاءَ...
وَإِذَا الشُّهَداءُ عَلَى الرَّمْضَاءِ... تَحْسَبُهُمُ الْعَيْنُ رُقُوداً وَهُمْ أَيْقَاظٌ... يَرْوُونَ بِدِمَائِهِمُ الْأَذَانَ، وَبِهِمْ تَسْتَمِدُّ الصَّلَاةُ حَيَاتَهَا وَعُنْفُوَانَهَا...
وَإِذَا رَأْسُكَ علَى الرُّمْحِ مَا زَالَتْ بِهِ تَجْرِي الْحَيَاةُ... مَا زَالَ أُحْجِيَةً قَابِعَةً فِي قَلْبِ الدَّهْرِ... مَا زَالَ رُوَاؤُهُ غَضًّا، يَتَوَضَّأُ الْوَرْدُ بِإِشْرَاقَتِهِ، وَيَتَنَفَّسُ السُّجُودُ تِلْكَ السَّكِينَةَ الْمُتَضَوِّعَةَ مِنْ جَبِينِهِ... وَالدَّوِيُّ مِنْ ثَغْرِهِ يَصْدَحُ عِطْراً تَشْرَبُهُ الْأَرْضُ لِتَحْيَا بَعْدَمَا كَانَتْ مَوَاتًا...
"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبَا"...
وَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ يُصَافِحَ مُحَيَّاكَ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ، فَاعْتَلَى رَأْسُكَ ذَلِكَ الرُّمْحَ مُنْتَشِياً بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ... وَصَلَاةُ الرَّبِّ عَلَيْكَ تَنْضَحُ مِنْ آيِ الذِّكْرِ... وَالْمَلَائِكُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لَكَ إِكْبَاراً لِتَضْحِيَاتِكَ وَشَهَادَتِكَ...
وَحِينَ سَدَّ دِقيانوسُ مَدْخَلَ الْكَهْفِ، أَبَى نُورُ الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنْ يَخْتَرِقَ الْحُجُبَ، وَيَمْسَحَ عَلَى الْقُلُوبَ فَيُنْعِشُهَا بِلَذِيذِ الْيَقِينِ... وَلَطَالَمَا حَاوَلَ مِنْ بَعْدِهِ أَلْفُ دِقيانوسَ طَمْسَ نُورَ اللهِ الْمُتَجَلِّي فِي قَدَاسَتِكَ... "وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورُهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"...
فَأَيُّ حُبٍّ للهِ تَعَالَى هَذَا الَّذِي يَسْكُنُكَ؟... وَأَيُّ آيَاتٍ هَذِهِ الَّتِي أَطْلَقَتْهَا دِمَاؤُكَ فَهَزَّتْ عَالَمَ الْإِمْكَانِ؟...
وَآيَاتُكَ يَا حُسَيْنٌ أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ... مَحَوْتَ الْمَسَافَاتِ، بَيْنَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَبَيْنَ الْكَهْفِ وَكَرْبَلَاءَ...
لَيْسَ الْعَجِيبُ رُقُودَ أَهْلِ الْكَهْفِ بِسَلَامٍ مُتَدَثِّرِينَ بِعِنَايَةِ اللهِ، إِنَّمَا الْعَجِيبُ أَنْ يَقْتُلُكَ دِقيانوسُ عَطْشَاناً وَأَنْتَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ وَرَيْحَانَتُهُ... الْعَجِيبُ أَنْ تُغَسَّلَ بِالنَّجِيعِ وَتُكَفَّنَ بِالتُّرَابِ.. وَتُشَيِّعَكَ الْخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا...
وَطَالَ الرُّقُودُ... بِانْتِظَارِ جَلْوَةِ الشَّمْسِ مِنْ خَلْفِ أَمْوَاجِ السُّحُبِ... حِينَهَا سَتُشْرِقُ الْأًرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا... كَشُرُوقِ الضَّوْءِ مِنْ كَهْفِ أَنْجلوسَ بَعْدَ ثَلاثُمائَةِ عَامٍ، وَانْسِيَابِهِ كَالْمَاءِ القَراحِ في فَوْضَى الدُّنْيَا... وَسَيَظْهَرُ مَاكسي مليانوسُ وَأَصْحَابُهُ شُعَاعاً يُعَانِقُ نُورَ اللهِ الْمُتَجَلِّي فِي إِمَامِ الزَّمَانِ... وَعَلَى رَايَتِهِمْ تُجَلْجِلُ تَلْبِيَةُ النِّدَاءِ... يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ...
وَإِذَا بِأَنْصَارِكَ يَنْفُضُونَ عَنْ رَقْدَتِهِمُ التُّرَابَ، وَأَرْوَاحُهُمْ تُصَافِحُ سَنَاكَ الْمُتَجَلِّي فِي الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ...
فَسُبْحَانَ مَنْ خَطَّ عَلَى لَوْحِ الزَّمَنِ حِكَايَتَكَ مِنَ الْكَهْفِ... إِلَى كَرْبَلَاءَ... إِلَى الْحَشْرِ.. حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ قَائِماً، يُفَرِّجُ عَنَّا الْهَمَّ وَالْكُرُبَاتِ...