السبت، 20 أغسطس 2011

وداعاً يا أبتاه


ونعاك جبرائيل...
فانتفضت الملائك من صمتها تتشبث بجدائل نور العرش، وتنسج من نضارها غيوماً مثقلةً بالحزن.. تذرف دمعها على روحك رحمات من الرب... إذ كنت أول شمسٍ ترقرق زلالها على قلب رسول الله، وأول وأزكى نفحة إيمانٍ تتراءى على خارطة الملكوت كأنها اللؤلؤ المكنون...
الفجر يغزل وِرده من سجدتك المخضبة برائحة الفراق... وليلة القدر ارتدت ثوب الحداد.. وفي محرابك سالت صلاة العاشقين مع دمائك... وكلمات القرآن بك تتشبث، وتستغيث.. وإلى الله ترفع شكواها...
تلك الإوز تعالى عجيجها بأن "لا ترحل"... لكنك رحلت إلى ربٍّ كريم.. وتركت قلوباً يمتزج فيها الألم بالصبر والتسليم، تخفق بين ضلوع حسنٍ.. وحسينٍ.. وزينب... وخلَّفت أيتاماً تتنفس الآهات مع الهواء... فيا أبانا تلطف علينا بمسحةٍ من كفك تجلبب أرواحنا بالأمان...
اليوم... أصبحتَ سورةً يتلوها بلغة البكاء كل يتيمٍ على وجه البسيطة...
كنت يا أميرنا الضوء الذي جرح القحط في أرواح الأشهاد... ووأد الظلام في رمس الذاكرة.. في حين كانت قلوب الناس من حولك موبوءةً بالضعف، محمومةً بضجيج الخوف... وحنانك كان أرجوحةَ سلامٍ اعتلتها القلوب المكدودة... وابتسامتك وردةً طيبة العبير، ارتوى من رحيقها الظمايا...
كنت للكافرين ناراً حامية.. وللمؤمنين برداً وسلاما... وكنت شمعةً تزدان بنور الله، وتاجاً على رؤوس من امتحن الله قلوبهم للتقوى... كان قنوتك قطرات ندىً تطير في دهشة النسيم، ومنطقك درراً تسبح في أنهارٍ من عسلٍ مصفى... ويقينك مرآةً تعانق أشعة الشمس المتدلية كخيوطٍ ذهبيةٍ متقنة السحر...
فطبت يا أمير.. وطابت أرضٌ تشرفت باحتضانك كما احتضنت اليتامى... فقد أطفأ ماؤك الفرات نار الغواية.. واستقى الدين من تضحياتك لون الصباح ومذاق العنفوان... وأشرق بك نور الله ولو كره الكافرون... ثم... رحلت... فأتعبتَ قلوباً اغتسلت بعشقك الدافئ...
لعمري إن مصابك يفوق حد البكاء... ورزيتك زلزلت أركان السماء وطمست نجيماتها الحزينة... وفراقك هد قلوب الأنام.. فإنا لله وإنا إليه راجعون...
/
أيا رب إنك تقضي ما تشاء... فألهمنا الرضا والتسليم... وأفرغ على قلوبنا صبراً بفقد أبينا... ربِّ قد جمعت عليًّا بحبيبه... فاجمعنا بهما وبآلهما، وثبتنا على ولايتهم... وأمطر علينا توفيقاً لطلب ثأرهم مع إمامٍ هدى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق